محاضرة الليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان المبارك 1442 هـ
ليلة استشهاد أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام
قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۖ فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ ۗ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.
الحديث تحت عنوان الحق والباطل في كلمات أمير المؤمنين عليه السلام،
وهذه الكلمة “الحق” هي مدعى الجميع فالكل يدعي أنه على الحق، فالظالم والمصيب والمخطأ كلهم يدعون أنهم على الحق، وحينما تذهب إلى التاريخ لترى المنازعات والحروب والاختلافات والعقائد الأفكارية تجد بعض البشر يعتبر أنه لا حقيقة للحق وهناك من قال أن للحق نسبة وليست مطلقة!
هكذا قال البعض.
وحديثنا هذا مع رجل قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله كما يروي المسلمون:
“عليّ مع الحق والحق معه يدور معه حيث دار”
فهل يمكن أن يكون أنا على حق وأنت على حق إن كنا مخالفين لبعضنا البعض؟!
وهل كما يقولون أن الحق ليس له حقيقة مطلقة وإنما له حقيقة نسبية ؟!
- عن أمير المؤمنين (ع):
“فالحقّ أوسع الأشياء في التّواصف ، و أضيقها في التّناصف لا يجري لأحد إلاّ جرى عليه، و لا يجري عليه إلاّ جرى له و لو كان لأحد أن يجري له و لا يجري عليه لكان ذلك خالصا للَّه سبحانه دون خلقه، لقدرته على عباده، و لعدله في كلّ ما جرت عليه صروف قضائه، و لكنّه جعل حقّه على العباد أن يطيعوه، و جعل جزاءهم عليه مضاعفة الثّواب تفضّلا منه و توسّعا بما هو من المزيد أهله”.
إذا على مستوى دعوة الحق والحقيقة فالكل يدعي ولكن في مستوى التطبيق فهناك الصعوبة والمرارة والتخلف
- ما معنى الحق؟ وما معنى الباطل؟
هناك عدة معانٍ للحق:
- الثابت والمتحقق الموجود
الله تبارك وتعالى واجد الوجود وهو الحق
- هو الله الحق المبين أحق وأبين مما ترى العيون، لم تبلغه العقول بتحديد فيكون مشبها. ولم تقع عليه الأوهام بتقدير فيكون ممثلا، خلق الخلق على غير تمثيل ولا مشورة مشير، ولا معونة معين. فتم خلقه بأمره، وأذعن لطاعته، فأجاب ولم يدافع، وانقاد ولم ينازع. ومن لطائف صنعته وعجائب خلقته ما أرانا من غوامض.
- الحق قد يطلق فيما له بقاء:
فالآخرة حق لأنها بقاء والدنيا ليست حقا لأن ليس بها بقاء.
- الحق يراد به ما ينبغي أن يكون.
عندما تتخلف عن دورك ولا تأتي بالحق يقال لك افعل حقاً،
فالحق هنا ما ينبغي أن يوجد.
ثلاث تعبيرات ذكرناها للحق، والباطل معناه عكس هذه التعبيرات.
- هل هناك ضرورة لمعرفة الحق؟!
طبعاً هناك ضرورة لمعرفة الحق،
فعندما يحتاج جسمك مثلاً اللحم وأكلت اللحم فأكلك للحم حق، ولكن عندما تأكل أكل يضرك فهو باطل لأنك تسببت بالضرر على نفسك،
فمعرفة الحق أمر في غاية الضرورة.
- هل نستطيع أن نصل للحق؟
هل نستطيع أن نصل للحق أم أن الأمر ليس كذلك؟!
هناك كلمات عديدة لأمير المؤمنين (ع) تشير إلى أن الإنسان قادر على الوصول إلى الحق.
- عن أمير المؤمنين (ع): “عباد الله! الله الله في أعز الأنفس عليكم وأحبها إليكم، فإن الله قد أوضح لكم سبيل الحق وأنار طرقه، فشقوة لازمة، أو سعادة دائمة”.
عندما تختار الحق فهو سعادة دائمة في الجنة ولكن عندما تختار الباطل فهو شقوة لازمة في النار.
- وعنه (ع):”ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ (فَتَمَثَّلَتْ) إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا، وَفِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا، وَجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا، وَأَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا، وَمَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَبَيْنَ الأَذْوَاقِ وَالْمَشَامِّ، وَٱلأَلْوَانِ وَٱلأَجْنَاسِ، مَعْجُوناً بِطِينَةِ الأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَٱلأَشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَةِ، وَٱلأَضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ، وَٱلأَخْلاَطِ الْمُتَبَايِنَةِ، مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَالْبَلَّةِ وَالْجُمُودِ، وَالْمَسَاءَةِ وَٱلسُّرُورِ”.
- العلاقة مع الحق:
- التسليم للحق:
- عن الأمير (ع): “من صارع الحق صرعه”.
إن كنت تتحدى الحق فالحق يغلبك.
- وعنه (ع): “من أبدى صفحته للحق هلك”.
الباطل زهوق مهما عظم ولذلك أولياء الله لا يرعبهم الباطل!
إذاً علينا أن نسلم إلى الحق ولا نكابر.
- العمل بالحق:
- عن الأمير (ع): “إن أفضل الناس عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه – وإن نقصه وكرثه – من الباطل وإن جر إليه فائدة وزاده”.
- وعنه (ع): “من تعدى الحق ضاق مذهبه، ومن اقتصر على قدره كان أبقى له”.
- الإعانة على الحق:
الإسلام أمرنا بخلق بيئة التعاون فيما بيننا.
- عن الأمير (ع): “رَحِمَ اللهُ رَجُلاً رَأَى حَقّاً فَأَعَانَ عَلَيْهِ، أَوْ رَأَى جَوْراً فَرَدَّهُ، وَكَانَ عَوْناً بِالْحَقِّ عَلَى صَاحِبِهِ “
- الأنس بالحق:
- ورد أن أمير المؤمنين (ع) كان يقول لأبي ذر: “لاَ يُؤْنِسَنَّكَ إِلاَّ الْحَقُّ، وَلاَ يُوحِشَنَّكَ إِلاَّ الْبَاطِلُ، فَلَوْ قَبِلْتَ دُنْيَاهُمْ لِأَحَبُّوكَ، وَلَوْ قَرَضْتَ مِنْهَا لِأَمَّنُوكَ.
- وعن الأمير (ع): “أيها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله، فإن الناس قد اجتمعوا على مائدة شبعها قصير و جوعها طويل”.
- التصبر:
قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.
كلما ابتعدنا عن الحق صار الحق صعباً لأن البيئة ضدنا،
والله تبارك وتعالى يحلف بنفسه (والعصر) ويؤكد (إنَّ – لـ) أن الإنسان في خسر،
ولكن من يخرج من هذا الخسر ؟!
من اتصف بأربعة أمور هي الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
هنا لا يكفي التواصي بالحق بل لا بد من خلق بيئة للتواصي بالصبر أيضاً على مرارة الحق.
- ورد من من وصيته لابنه الحسن:
“وخض الغمرات للحق حيث كان، وتفقه في الدين، وعود نفسك التصبر على المكروه ونعم الخلق التصبر”.
- وعنه (ع): “وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّكُمْ فِي زَمَان الْقَائِلُ فِيهِ بالْحَقِّ قَلِيلٌ، وَاللِّسَانُ عَنِ الصِّدْقِ كَلِيلٌ، وَاللاَّزِمُ لِلْحَقَّ ذَلِيلٌ”.
- عدم كتمان الحق:
ينبغي عدم السكوت عن الحق لأن السكوت عنه ضرر ولا يوجد فيه تقية وعندما أسكت أنا وتسكت أنت سيسكت المجتمع وبالتالي لن ترى أحداً يتكلم بالحق!
﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
- وقد ورد في وصيته للحسنين (ع) أنه قال وقولا بالحق.
- التبري من الباطل ورفض الباطل:
عدم التعامل مع أهل الباطل لأن الحق والباطل نقيضان ولا يمكنهما أن يجتمعا مع بعضهما البعض.
- عنه (ع): “وَايْمُ اللَّهِ لَأَبْقُرَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى أُخْرِجَ الْحَقَّ مِنْ خَاصِرَتِهِ”.
- ما الذي يناله من يتخلى عن الحق؟!
- الهلاك
- ورد عنه (ع): ” أما بعد فإنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الناس الحق فاشتروه، وأخذوهم بالباطل فاقتدوه”
- المفاسد:
- عنه (ع): “من لا ينفعه الحق يضره الباطل”.
- التخلي عن الموقف الدفاعي عن القيم)
(التخلي عن قيمك ودينك وإمامك!):
- “وَلاَ يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلاَ بِالْجِدِّ! أَيَّ دَار بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ ..”
- يستولي عليه الشيطان:
- عنه (ع): “ولَوْ أَنَّ اَلْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ اَلْبَاطِلِ اِنْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ اَلْمُعَانِدِينَ وَ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي اَلشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ”.
- طرق معرفة الحق:
- القرآن الكريم.
- النبي (ص) وأهل بيته (ع)
- بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق وأعلام الدين وألسنة الصدق. فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطاش.
- العقل:
- عن الأمير (ع): “كَفَاكَ مِنْ عَقْلِكَ مَا أَوْضَحَ لَكَ سُبُلَ غَيِّكَ مِنْ رُشْدِكَ”
- قيل أن الحارث بن حوط أتاه عليه السلام، فقال له: أتراني أظن أن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟ فقال عليه السلام: يا حار، إنك نظرت تحتك، ولم تنظر فوقك فحرت، إنك لم تعرف الحق فتعرف أهله، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه.
فقال الحارث: فإني اعتزل مع سعد بن مالك وعبد الله بن عمر.
فقال عليه السلام: إن سعدا وعبد الله بن عمر لم ينصرا الحق، ولم يخذلا الباطل.
- العاقبة للحق:
﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾.
﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾
﴿كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾
- عن الأمير (ع): “قليل الحق يدفع كثير الباطل، كما أن القليل من النار يحرق كثير الحطب”.