محاضرة الليلة الثامنة عشر من شهر رمضان المبارك 1442 هـ
قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
الحديث تحت عنوان التسليم لحكم الله والآية المباركة جعلت من هذا الأمر ميزان الإيمان الصادق، وإلا فدعوى ولا إيمان.
لِمَ؟! لأن التسليم عقيدة.
إن لم نؤمن لا يكون الله خالقا عن قدرة وحكمة فيتمثل بصفات المحتاج الفقير ولذلك التسليم لحكم الله هو ميزان الإيمان الصادق.
- فلا وربك: يحلف بنفسه.
- لا يؤمنون حتى يحكموك: يعتقد بسلامة الأحكام الشرعية والقضاء الشرعي وأنت يا رسول الله لا تقتضي إلا بما شرع الله تعالى.
- فيما شجر بينهم: في حالة الهيجان والغضب والانفعال والمنازعة يلجئون لرسول الله (ص)
- لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ: بعد القضاء والحكم.
- وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا: تسليم لأمر الله
هل رسول الله (ص) يقضي بالغيب؟! لا وإنما يقضي بالبينات والأيمان.
حتى المظلوم لو كان مظلوما في حكمه يسلم أمره لقضاء الله وحكمه لأنها من علامة الأيمان.
- عن أمير المؤمنين (ع): “”أصل الإيمان حُسن التسليم لأمر الله”
- عنه (ع): ” اعلم أن أول الدين التسليم وآخره الإخلاص.”
- عن الإمام الصادق (ع): ” لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان ثم قالوا لشيء صنعه الله أو صنعه رسول الله صلى الله عليه وآله الا صنع خلاف الذي صنع، أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين، ثم تلا هذه الآية ” فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما” ثم قال (ع): عليكم بالتسليم.
- عن زيد الشحام، عن عبد الله عليه السلام قال قلت له: إن عندنا رجلا يقال له كليب، لا يجيء عنكم شيء إلا قال: أنا أسلم، فسميناه كليب تسليم، قال: فترحم عليه، ثم قال: أتدرون ما التسليم؟ فسكتنا، فقال: هو والله الاخبات، قول الله عز وجل: ” الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم.
- وعن الصادق (ع): ” من سره أن يستكمل الايمان كله فليقل: القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد، فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني”.
- عقيدتنا للتسليم:
- أن الله تبارك وتعالى عالم بكل شيء
﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ﴾
﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾
﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
- أن الله تبارك وتعالى هو الغني.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾.
يا أيها الذين آمنوا أنتم الفقراء إلى الله
- أن الله لا يأمر عبثاً.
- انه سبحانه يأمر بحكمة.
الله تبارك وتعالى يأمر لأنه لطيف بك فالطبيب إذا وصف لك دواء فإنه لا يريد أن يستلط عليه وإنما يريد أن تنتفع أنت بالدواء،
وعقيدتنا بعلم الله وبغناه وبحكمته تجعلنا نقول: إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم.
وفي الحكم الذي لا يعجبنا علينا أن نحمد الله أكثر، فنشكر الله على صلاة الليل أكثر من الزواج لأن الزواج لو لم يأمر به الله تعالى لتزوجنا بسبب الغريزة ولكن صلاة الليل إن لم يأمر بها تبارك وتعالى لما صليناها.
مثال: الطبيب يقول لا تأكل الباقلاء لأنك مصاب بنقص الخميرة وهي تضرك، فإن كنت لا تحب الباقلاء فلن تأكلها من تلقاء نفسك،
ولكن لو قال لك لا تأكل الفول وأنت تجب الفول فعليك أن تشكره لأنه لو لم يقل لك لوقعت في الضرر.
الأمر الذي يأمرني به الله تعالى وهو خلاف رغبتي علي أن أشكره أكثر.
أول من قايس إبليس:
عن الصادق (ع): “أول من قاس إبليس واستكبر، والاستكبار هو أول معصية عصى الله بها، قال: فقال إبليس: يا رب اعفني من السجود لآدم وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب ولا نبي مرسل، قال الله تبارك وتعالى: لا حاجة لي إلى عبادتك إنما أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تريد.
اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي تجد أن هناك من يعترض على الأحكام الشرعية بسبب زعمهم أنه تعارض الفطرة السليمة،
ونقول إن أولئك قد خلطوا بين مشاعر نبيلة يستدلون بها، ومشاعر ليست بنبيلة وإن تخيل أصحابها أنها نبيلة.
- المشاعر النبيلة: التي تتناسب مع الفطرة وبنى الإسلام عليها تشريعاته الأساسية واليت بالأخذ بها تنتظم حياة الناس.
- المشاعر التي يعتقد بها البعض أنها نبيلة وهي ليست كذلك: هي بسبب خلل في تصوراته.
الاعتراضات التي تأتي سببها قسمها الثاني فيها إفراط أو تفريط، ومن أسباب تلك الاعتراضات:
- الاعتراض على نظام الجزاء الإسلامي:
الاعتراض على العقوبة القاسية فتجد أن هناك من يتوفر على ضعف نفسي بحيث صارت لديه رقة تجاه حتى من ارتكب القتل،
فمثلاً في مثال الرقة هناك من يعطي ابنه صاحب الـ 12 سنة دراجة نارية بسبب رقته على ابنه! ،، وهذا بسبب خطأ في التربية.
- القسوة: هناك من يعتقد أن التربية ضرب.
- مشاعر الأنانية.
- الرغبة في التساوي مع اختلاف المؤهلات
هناك من ينادي بعمل المرأة والرجل معاً،
الإسلام لا يمنع المرأة من العمل ولكن ليس على حساب البيت الزوجي،
هل يعقل أن تلغي دورها الأساس وتنتقل للكسب ويكون على حساب البيت والتربية والذرية ؟!
ليس كل الرجال نستطيع أن نوفر لهم العمل، وإذا كان عمل المرأة على حساب البيت الزوجي وتلغي دورها في التربية ويكون دورها العمل فسيأتي يوم تعمل في المصنع وفي الكراج وغيرهما وبالتالي ستكون بنية المرأة تشبه بينة الرجل.
- أسباب المشاعر غير النبيلة:
- الأسباب النفسية: هناك من نفسيته تميل للين، وهناك من نفسيته تميل للشدة.
- عدم تصور خطورة الأمر: البعض مثلا يقول كيف تقتل هذا الإنسان ؟!
ويقول لعب عليه الشيطان!!
أنت ليس في مكان أم من مات وليس يتيم المقتول،، وإذا كانت العقوبة غير رادعة فلن يتعظ أحداً وفي كل يوم تقتل نفس.
ولكن إذا قمت بقتل أحد يأتي الإسلام يقول لك إن قمت بالقتل فعليك أن تقدم رقبتك!
إن قتلت مؤمنا تخسر الدنيا والآخرة وتذهب إلى النار.
- نمط الحياة.
- عدم الاستشعار بقبح العمل وآثاره:
مثال: هناك من يقول لماذا مبلغ مخالفة الإشارة 50 دينار!؟
اذهب إلى المرور واسألهم عن الحوادث المميتة التي سببها السرعة والإشارة الحمراء،
وإن عرفت ستقول أنَّ هذا المبلغ قليل،
كلام المتضرر يختلف عن كلام المسرع.
- محاكاة لشعب آخر.
- اشتباه في الاقتران.
البعض يعاشر مسلمين متدينين تدين تزمتي وسلوكهم سلوك سيء ويعاشر يساري غير متدين لديه أخلاق، فيقول إن اليساري أحسن من المتدين.
انطباعك للدين هنا غير صحيح لأنك قست الدين بسلوك بعض المتدينين الذين لا صلة لهم بالدين.
لو استعرضنا الأحكام الشرعية التفصيلية لوجدنا أن الأحكام القطعية متناسبة مع الفطرة.
بعض الأحكام الاجتهادية يأتي عليها بعض الاعتراض ونقول إن خالفت مقاصد الإسلام والعدالة جزما تسقط،
والإسلام لم يعطى الفرصة ليثبت لياقته.