لا تقدير للنفقة شرعًا بل الضابط القيام بما تحتاج إليه الزوجة في معيشتها من الطعام والادام والكسوة والفراش والغطاء والمسكن والخدم وآلات التدفئة والتبريد وأثاث المنزل وغير ذلك مما يليق بشأنها بالقياس إلى زوجها، ومن الواضح اختلاف ذلك نوعاً وكماً وكيفاً بحسب اختلاف الأمكنة والاَزمنة والحالات والأعراف والتقاليد اختلافاً فاحشاً.
فبالنسبة إلى المسكن مثلاً ربّما يناسبها كوخ أو بيت شعر في الريف أو البادية وربّما لابدّ لها من دار أو شقة أو حجرة منفردة المرافق في المدينة، وكذا بالنسبة الى الألبسة ربّما تكفيها ثياب بدنها من غير حاجة إلى ثياب أخرى وربّما لابدّ من الزيادة عليها بثياب التجمل والزينة، نعم ما تعارف عند بعض النساء من تكثير الألبسة النفيسة خارج عن النفقة الواجبة، فضلاً عما تعارف عند جمع منهن من لبس بعض الألبسة مرة أو مرتين في بعض المناسبات ثم استبداله بآخر مختلف عنه نوعاً أو هيئة في المناسبات الأخرى.
ومن النفقة الواجبة على الزوج اُجرة الحمام عند حاجة الزوجة اليه سواء أكان للاِغتسال أو للتنظيف إذا لم تتهيأ لها مقدمات الاِستحمام في البيت أو كان ذلك عسيراً عليها لبرد أو غيره، كما ان منها مصاريف الولادة واُجرة الطبيب والأدوية المتعارفة التي يكثر الاِحتياج إليها عادة، بل لا يبعد ان يكون منها ما يصرف في سبيل علاج الاَمراض الصعبة التي يتفق الاِبتلاء بها وان احتاج الى بذل مال كثير ما لم يكن ذلك حرجياً على الزوج.
والنفقة الواجبة للزوجة على قسمين:
القسم الاوّل : ما يتوقف الانتفاع به على ذهاب عينه كالطعام والشراب والدواء ونحوها، وفي هذا القسم تملك الزوجة عين المال بمقدار حاجتها عند حلول الوقت المتعارف لصرفه، فلها مطالبة الزوج بتمليكه إيّاها وتسليمه لها تفعل به ما تشاء، ولها الاِجتزاء ـ كما هو المتعارف ـ بما يجعله تحت تصرفها في بيته ويبيح لها الاِستفادة منه فتأكل وتشرب ممّا يوفره في البيت من الطعام والادام والشراب حسب حاجتها اليه، وحينئذٍ يسقط ما لها عليه من النفقة فليس لها ان تطالبه بها بعد ذلك.
ولا يحقّ للزوجة مطالبة الزوج بنفقة الزمان المستقبل، ولو دفع إليها نفقة ايام كاسبوع أو شهر مثلاً وانقضت المدة ولم تصرفها على نفسها اما بان انفقت من غيرها أو انفق عليها احد كانت ملكاً لها وليس للزوج استردادها، نعم لو خرجت عن الاِستحقاق قبل انقضاء المدة بموت احدهما أو نشوزها أو طلاقها بائناً يوزع المدفوع على الايام الماضية والآتية ويسترد منها بالنسبة الى ما بقي من المدة، بل الظاهر ذلك ايضاً فيما إذا دفع إليها نفقة يوم واحد وعرضت احدى تلك العوارض في اثناء اليوم فيسترد الباقي من نفقة ذلك اليوم.
ويتخير الزوج بين ان يدفع الى الزوجة عين المأكول كالخبز والطبيخ واللحم المطبوخ وما شاكل ذلك، وان يدفع إليها موادها كالحنطة والدقيق والارز واللحم ونحو ذلك ممّا يحتاج في اعداده للاَكل الى علاج ومؤنة، فاذا اختار الثاني كانت مؤنة الاِعداد على الزوج دون الزوجة.
وإذا تراضيا على بذل الثمن وقيمة الطعام والادام وتسلمته ملكته وسقط ما هو الواجب على الزوج، ولكن ليس للزوج الزامها بقبول الثمن وليس لها الزامه ببذله فالواجب ابتداءً هو العين.
القسم الثاني : ما ينتفع به مع بقاء عينه، وهذا ان كان مثل المسكن فلا اشكال في ان الزوجة لا تستحق على الزوج ان يدفعه إليها بعنوان التمليك، والظاهر ان الفراش والغطاء واثاث المنزل ايضاً كذلك، واما الكسوة فلا يبعد كونها بحكم القسم الاوّل فتستحق على الزوج تمليكها ايّاها، ولها الاِجتزاء بالاِستفادة بما هو ملكه أو بما استأجره أو استعاره.
وإذا دفع إليها كسوة قد جرت العادة ببقائها مدة فلبستها فخلقت قبل تلك المدة أو سرقت لا بتقصير منها في الصورتين وجب عليه دفع كسوة أخرى إليها، ولو انقضت المدة والكسوة باقيه ليس لها مطالبة كسوة أخرى، ولو خرجت في اثناء المدة عن الاِستحقاق لموت أو نشوز أو طلاق فان كان الدفع إليها على وجه الاِمتاع والاِنتفاع جاز له استردادها ان كانت باقية، واما إذا كان على وجه التمليك فليس له ذلك.
ويجوز للزوجة ان تتصرف فيما تملكه من النفقة كيفما تشاء، فتنقله الى غيرها ببيع او هبة او اجارة او غيرها الاّ اذا اشترط الزوج عليها ترك تصرف معين فيلزمها ذلك، واما ما تتسلمه من دون تمليك للامتاع والانتفاع به فلا يجوز لها نقله الى الغير ولا التصرف فيه بغير الوجه المتعارف إلاّ بإذن من الزوج.
والنفقة الواجب بذلها للزوجة هو ما تقوم به حياتها من طعام وشراب وكسوة ومسكن واثاث ونحوها، دون ما تشتغل به ذمتها ممّا تستدينه لغير نفقتها، وما تنفقه على من يجب نفقته عليها، وما يثبت عليها من فدية أو كفارة أو ارش جناية ونحو ذلك.