الإيمان بالغيب ودوره في السلوك

محاضرة الليلة السادسة عشر من شهر رمضان المبارك 1442 هـ

قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِله إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾

 الإيمان بالغيب ودوره في السلوك،

جاءت مفردة الغيب في القرآن الكريم في آيات عديدة، وفي بعضها يوجد تقابل بين الغيب والشهادة، والآية التي ذكرناها هي في مقام التوصيف لله (عالم الغيب والشهادة).

وهذا التقسيم ليس بلحاظ الله تعالى لأن الله عز وجل محيط بكل شيء فكل شيء يعلمه ويحيط به، وإنما هذا التقسيم هو بلحاظ إدراك الإنسان.

الإنسان لديه مدركات ومجهولات، فما لا يعرفه ولا يحضره هو الغيب، ولكن ما يعرفه ويعلمه هو على قسمين فقسم يشهده وقسم لا يشهده.

القسم الذي يشهده هو من خلال الحواس فأنظر إلى من أمامي بعيني فأراه من خلال حواسي فما يدركه الإنسان من خلال حواسه يعتبر من عالم الشهادة.

(فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ): أي الذي يحضر الشهر ولا يكون مسافراً.

حينما أشهد شيئا بحواسي وأعرف وجوده من خلال ذلك فهذا هو عالم الشهادة،

لدي مجهولات لا أعلمهم ولكن لدي معلومات أعلمها إلا أنها غيب لأن معلوماتي ليست كلها بالحواس.

المعلومات بالدليل العقلي:

  • وجود الله تبارك وتعالى: أعلم بوجوده وأومن به لكنه غيب لأنه لا يدرك بحواسي،
  • الجنة والنار: كذلك أعلم بها لكن بالوحي.

إذاً هناك معلومات أعلمها ولكن إما بالعقل وإما بالوحي وإما بالإلهام.

النبي الأعظم (ص) أعلم بوجوه قبل أكثر من 1400 عام ولم أره لكنني مؤمن به، وأعلم بوجود إمام غائب مع أنني لم أره.

في زمن الغيب اتسعد دائرة الغيب وثواب المؤمن في الغيبة يكون أكبر لأنه يؤمن بالغيب ولا يؤمن بالمشاهدة.

  • تقسيم الغيب:
  • الغيب المطلق.
  • الغيب النسبي.
  • الغيب المطلق: كل الغيبيات التي يعلمها الله والله تبارك وتعالى هو الوحيد الذي يعلم الغيب كله.

﴿وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۖ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾.

﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ﴾.

  • الغيب النسبي: هو للرسل والأولياء وهناك ثلاثة آراء للغيب النسبي:
  • العلم اللدني: فسر بأن الله زود النبي قدرة يعلم الغيب لنفسه (بتزويد من الله)
  • العلم الإرادي: النبي والمعصوم إذا أرادوا أن يعلموا الغيب دعوا الله فيعلمهم.
  • العلم الكسبي: الله تبارك وتعالى يوحي إليهم بقدر ما تحتاج إليه وظيفتهم.
  • علم غير الله:

﴿قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾.

﴿قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.

﴿ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾.

﴿عَالمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُول فَاِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلْفِهِ رَصَداً﴾

سئل أمير المؤمنين (ع): أُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب؟ قال(ع): “لا، وإنّما هو علم تعلّمته من ذي علم، علّمه الله لنبيّه فعلّمنيه”.

  • لماذا أعطى الله تبارك وتعالى لرسله علم الغيب؟!
  • دورهم في هداية الناس.
  • الله تبارك وتعالى لا يغلب.

النصوص القرآنية والروائية تشير إلى أن في يوم القيامة يشهد علينا الملك وتشهد علينا الأرض وتشهد الجلود والأعضاء وكذلك الإمام المعصوم ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾.

كل إمام في زمنه رقيب على أمته:

﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).

﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾.

النبي (ص) يعلم الآن وإمام الزمان يعرف عن أعمالنا، وقد فسر أن الأئمة هم من يرون علمنا.

  • عن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: مالكم تسوؤن رسول الله صلى الله عليه وآله؟! فقال رجل: كيف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول الله وسروه.
  • نماذج من عرض العمل على الأئمة (ع):
  • عن داود بن كثير الرقي قال: كنت جالسا عند أبي عبدالله (عليه السلام) إذ قال مبتدئا من قبل نفسه: يا داود لقد عرضت عليّ أعمالكم يوم الخميس فرأيت فيما عرض علي من عملك صلتك لابن عمك فلان فسرني ذلك إنّي علمت أن صلتك له أسرع لفناء عمره وقطع أجله، قال داود: وكان لي ابن عم معاندا ناصبيا خبيثا بلغني عنه وعن عياله سوء حال، فصككت له نفقة قبل خروجي إلى مكة، فلما صرت في المدينة أخبرني أبو عبدالله (عليه السلام) بذلك.
  • عن أبي كهمش قال كنت نازلا بالمدينة في دار فيها وصيفة كانت تعجبني فانصرفت ليلا ممسيا فاستفتحت الباب ففتحت لي فمددت يدي فقبضت على ثديها فلما كان من الغد دخلت على أبى عبد الله عليه السلام فقال يا أبا كهمش تب إلى الله مما صنعت البارحة.

وهنا نقول إلى كل شاب: غريزتك قوية والوصول للحرام يسره الأشرار في يومنا هذا وأنت في محاربة الشيطان والغريزة والهوى عليك أن تتذكر أن كل تقوم به يعرض على صاحب العصر والزمان.

  • عن بن مهزم قال: قال: خرجت من عند أبي عبد الله عليه السلام ليلة ممسيا فأتيت منزلي بالمدينة وكانت أمي معي، فوقع بيني وبينها كلام، فأغلظت لها. فلما أن كان من الغد صليت الغداة وأتيت أبا عبد الله عليه السلام فلما دخلت عليه فقال لي مبتدئا: يا أبا مهزم مالك ولخالدة أغلظت في كلامها البارحة؟ أما علمت أن بطنها منزل قد سكنته، وأن حجرها مهد قد غمزته، وثديها وعاء قد شربته؟ قال قلت: بلى/ قال: فلا تغلظ لها.
  • آثار الإيمان بالغيب:

كل خير ينتج من إيمانك بالله والنبي وبالمعصوم والقيامة والمعاد والملائكة و،و…، ناتج من الإيمان بالغيب.

  • الاختلاف في مقياس السلوك عن الآخرين: السلوك ليس لذة دنيوية بل أخروية

مثلاً الصدقة تدفعها للفقير مع علمك أنك لن تحصل منه وذلك لأنك تدفعها لوجه الله فيكون المقياس في السلوك هو رضا الله وابتغاء ثوابه.

تنتهي كل الصفات السلبية من غيبة وبهتان ونميمة،

فإذا كنت إنساناً أنانيا همه مصلحة نفسه والأنانية التي تقودك إلى الغيبة والحسد والغش ستتحول بإيمانك بالغيب إلى إنسان يستشعر انه مراقب في كل صغيرة وكبيرة يتاجر مع الله ويربح.

  • التوكل على الله عز وجل.

التواكل: هو أنت تجلس في بيتك وتدعو الله أن يرزقك.

الإسلام يقول لك اعقلها وتوكل فطبق العوامل والعناصر المادية واطلب من الله أن تساعدك العوامل غير المادية.

عن الأمير (ع): ” مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى الله ذَلَّت لَهُ الصِّعَابُ، وَتَسهَّلَت عَلَيهِ الأَسبَابُ”

﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا‏﴾.

  • يجعل الحياة مختلفة:

إن كنت أنظر غيري أنه حصل على عمل ولم أحصل، وزوجته جميلة وسيارته فاخرة فستكون حياتي محزنة، فمن كان سعادته بما هو خارج عن ذاته يقلق ويحزن ويخاف المستقبل فيخاف قبل وقوع المصيبة ويحزن بعد وقوعها،

ولكن من يؤمن بالغيب سينظر إلى أن الله سيعوضه فالإيمان بالغيب يجعل من الحياة طبيبة.

(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ): بشر: رابح لا خاسر.

اللهم إني أسألك صبر الشاكرين لك: (شكرا لا صبرا وحسب).

  • لماذا الله تبارك وتعالى أخفى الغيبيات؟!
  • الامتحان.
  • أننا لسنا من أهل الغيب: وهذا يدعونا لتفعيل عنصر الدعاء والرجاء.
  • بعض الطرق التي يتصور البعض فيها أنه يعلم بها الغيب من خلالها:
  • الاستخارة: هناك من يستخير ليعلم الغيب وهذا خارج عن الصحة،

الآية إذا كانت تبشر بخير تكون الخيرة جيدة وإن لم تبشر بخير تكن غير جيدة.

  • علم النجوم: هناك من يقول لا يؤمن بالتنجيم ولكن يسمع لفلان وفلان فيقول أن ما قاله المنجم صحيح !

المنجم يقول ألف خبر وخبر وربما يكون خبرين من تلك الأخبار من تصدق وبالتالي يصدقه البعض.

  • عن الأمير (ع) أنه قال لبعض أصحابه لما عزم على المسير إلى الخوارج، وقد قال له: إن سرت يا أمير المؤمنين في هذا الوقت، خشيت ألا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم، فقال عليه السلام: أتزعم أنك تهدى إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، وتخوف من الساعة التي من سار فيها حاق به الضر! فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن، واستغنى عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروه. وتبتغي في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربه، لأنك – بزعمك – أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع، وأمن الضر. ثم أقبل عليه السلام على الناس فقال: أيها الناس، إياكم وتعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بر أو بحر، فإنها تدعو إلى الكهانة، المنجم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار، سيروا على اسم الله.
  • إخبار الجن:

هل أن الجن يعلم الغيبيات؟!

يقال أن الجن كان يذهب إلى السماء ويأتي بالغيبيات ولما ولد النبي وبعض الروايات لما بعث منعوا عن استراق السمع من السماء فمنعوا من علم الغيبيات (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا).

  • البعض يذهب للجن ليخبرنا من هو الذي عمل السحر؟!

الجن لا يعلم عن كل شيء في زمنه.

سليمان سخر له الجن

(فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).

  • البعض يقول أنه يريد أن يعرف من خلال الجن الذي رأى بعينيه.

عن الصادق (ع): واليوم إنما تؤدي الشياطين إلى كهانها أخبارا للناس بما يتحدثون به، وما يحدثونه، والشياطين تؤدي إلى الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث، من سارق سرق ومن قاتل قتل، ومن غائب غاب، وهم بمنزلة الناس أيضا، صدوق وكذوب.

عن النبي (ص): “من صدق كاهنا أو منجما فهو كافر بما انزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم”.

Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments